فوائد من كتاب صفة الصفوة 2
قال عثمان بن أبي دهرش ما صليت صلاة قط الا استغفرت الله تعالى من تقصيري فيها. وكان إذا رأى الفجر قد اقبل عليه تنبه وقال: اصير الان مع الناس ولا ادري ما اجني على نفسي.
عن سفيان بن عيينة عن وهيب بن الورد قال بينا أنا واقف في بطن الوادي إذا أنا برجل قد اخذ بمنكبي فقال يا وهيب خف الله لقدرته عليك واستحيي منه لقربه منك قال فالتفت فلم أر أحدا. قال وهيب بن الورد خالطت الناس خمسين سنة فما وجدت رجلا غفر لي ذنبا فيما بيني وبينه ولا وصلني إذا قطعته ولا ستر على عورة ولا أمنته إذا غضب فالاشتغال بهؤلاء حمق كبير.
عن وهيب المكي قال يقول الله عز وجل وعزتي وجلالي وعظمتي ما من عبد اثر هواي على هواه إلا أقللت همومه وجمعت عليه ضيعته ونزعت الفقر من قلبه وجعلت الغنى بين عينيه واتجرت له من وراء كل تاجر وعزتي وعظمتي وجلالي ما من عبد آثر هواه على هواي إلا كثرت همومه وفرقت عليه ضيعته ونزعت الغنى من قلبه وجعلت الفقر بين عينيه ثم لم أبال في أي أوديتها هلك.
عن ابن المبارك قال ما جلست إلى أحد كان انفع لي مجالسة من وهيب كان لا يأكل من الفواكه وكان إذا انقضت السنة وذهبت الفواكه يكشف عن بطنه وينظر إليه ويقول يا وهيب ما أرى بك بأسا ما أرى تركك الفواكه ضرك شيئا.
قال وهيب بن الورد كان يقال الحكمة عشرة أجزاء فتسعة منها في الصمت والعاشرة عزلة الناس قال فعالجت نفسي على الصمت فلم أجدني أضبط كل ما أريد منه ف رأيت أن هذه الأجزاء العشرة عزلة الناس. وعن محمد بن مزاحم عن وهيب بن الورد قال وجدت العزلة اللسان.
قال وهيب عجبا للعالم كيف تجيبه دواعي قلبه إلى ارتياح الضحك وقد علم أن له في القيامة روعات ووقفات وفزعات ثم غشي عليه. ويرون الرؤيا لوهيب انه من أهل الجنة فإذا اخبر بها اشتد بكاؤه وقال قد خشيت ان يكون هذا من الشيطان.
حلف وهيب بن الورد ألا يراه الله ضاحكا ولا أحد من خلقه حتى يعلم ما يأتي به رسل ربه قال فسمعوه عند الموت يقول وفيت لي ولم أف لك. وعن عبد الرزاق قال سمعت وهيب بن الورد يقول من عد كلامه من عمله قل كلامه.
و قيل لوهيب بن الورد أيجد طعم العبادة من يعصي الله قال لا ولا من يهم بالمعصية. وعن محمد بن يزيد قال سمعت وهيبا يقول ضرب لعلماء السوء مثل فقيل إنما مثل عالم السوء كمثل الحجر في الساقية فلا هو يشرب الماء ولا هو يخلي الماء إلى الشجر فيحيا به.
قال محمد بن يزيد رأيت وهيب بن الورد صلى ذات يوم العيد فلما انصرف الناس جعلوا يمرون به فنظر إليهم ثم زفر ثم قال لئن كان هؤلاء القوم اصبحوا مستيقنين انه قد تقبل منهم شهرهم هذا لكان ينبغي لهم ان يكونوا مشاغيل بأداء الشكر عما هم فيه وإن كانت الأخرى لقد كان ينبغي لهم أن يصبحوا اشغل واشغل.
عن علي بن أبي بكر قال اشتهي وهيب لبنا فجاءته خالته به من شاة لآل عيسى بن موسى قال فسألها عنه فأخبرته فأبى أن يأكله فقالت له كل فأبى فعاودته وقالت له: إني أرجو إن أكلته أن يغفر الله لك أي باتباع شهوتي فقال: ما أحب أنى أكلته وإن الله تعالى غفر لي فقالت لمقال إني أكره أن أنال مغفرته بمعصيته.
عن عمرو بن محمد بن أبي رزين قال وسمعت وهيبا يقول أن العبد ليصمت فيجتمع له لبه. وسمعته يقول لا يكن هم أحدكم في كثرة العمل ولكن ليكن همه في أحكامه وتحسينه فإن العبد قد يصلي وهو يعصي الله في صلاته وقد يصوم وهو يعصي الله في صيامه.
عن أبي صالح الجدي قال صليت إلى جنب وهيب العصر فلما صلى جعل يقول اللهم ان كنت نقصت منها شيئا أو قصرت فيها فاغفر لي قال فكأنه قد أذنب ذنبا عظيما يستغفر منه. وعن بشر بن الحارث قال كان وهيب بن الورد تبين خضرة البقل من بطنه من الهزال. وعنه قال: بلغنا أن وهيبا كان إذا أتي بقرصته بكى حتى يبلها.
ذهب بصر عبد العزيز بن أبي رواد عشرين سنة لم يعلم به أهله ولا ولده فتأمله ابنه ذات يوم فقال له يا أبت ذهبت عينك قال نعم يا بني الرضا عن الله تعالى اذهب عين أبيك منذ عشرين سنة. وعن شعيب قال جلست إلى عبد العزيز بن أبي رواد خمسمائة مجلس فما احسب صاحب الشمال كتب شيئا.
عن يوسف قال مكث عبد العزيز بن أبي رواد أربعين سنة لم يرفع طرفه إلى السماء فبينما هو يطوف حول الكعبة إذ طعنه المنصور أبو جعفر في خاصرته بإصبعه، فالتفت إليه فقال: قد علمت أنها طعنة جبار.
عن خلاد بن يحيى قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد قال كان يقال من رأس التواضع الرضا بالدون من شرف المجالس وكان يقول في رأس كل إنسان حكمة أخذ بها ملك فإن تواضع لربه رفعه. وقال انتعش رحمك الله وإن تكبر قمعه وقال: اخسأ خسأك الله.
قال رجل لعبد العزيز بن أي رواد كيف أصبحت فبكى وقال أصبحت والله في غفلة عظيمة عن الموت مع ذنوب كثيرة قد أحاطت بي واجل يسرع كل يوم في عمري وموئل لست ادري علام اهجم? ثم بكى. قال عبد العزيز بن أبي رواد لرجل: ومن لم يتعظ بثلاث لم يتعظ بشيء الإسلام و القرآن والمشيب.
كان زمعة نازلا عندنا وكان له أهل وبنات وكان يقوم فيصلي ليلا طويلا فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته: يا أيها الركب المعرسونا ... أكل هذا الليل ترقدونـا ... ألا تقومون فترحلونا قال فيتواثبون فيسمع من ههنا باك، ومن ههنا داع، ومن ههنا قارئ، ومن ههنا متوضئ فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته عند الصباح يحمد القوم السرى - رحمه الله.
عن ابن معاذ قال سمعت سفيان بن عيينة يقول من تزين للناس بشيء يعلم الله منه غير ذلك شانه الله. وعن النعمان قال سمعت ابن عيينة يقول ليس من حب الدنيا طلبك ما لا بد منه.
قال سفيان بن عيينة إذا كان نهاري نهار سفيه وليلي ليل جاهل فما اصنع بالعلم الذي كتبت? وعن علي بن الجعد قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول من زيد في عقله نقص من رزقه. قال سفيان بن عيينة أرفع الناس منزلة من كان بين الله وبين عباده، وهم الأنبياء والعلماء. وقال من رأى انه خير من غيره فقد استكبر وذلك أن إبليس إنما منعه من السجود لآدم عليه السلام استكباره.
عن سعيد بن داود عن ابن عيينة قال من كانت معصيته في الشهوة فارج له التوبة فإن آدم عصى مشتهيا فغفر له فإذا كانت معصيته في كبر فاخش على صاحبه اللعنة فإن إبليس عصى مستكبرا فلعن. وعن إسحاق بن منيب قال: قال سفيان بن عيينة لم يعرفوا حتى احبوا أن لا يعرفوا.
عن بكر العابد قال قلت لسفيان بن عيينة يا أبا محمد أبلغك أن الناس يزدحمون يوم القيامة? فقال: الأقدام يوم القيامة هكذا ووضع يده فوق الأخرى، ثم قال بكر بلغني أن الناس يخرجون من قبورهم وهم يقولون الماء الماء، العطش العطش.
قال ابن عيينة أصابتني ذات يوم رقة فبكيت فقلت في نفسي لو كان بعض أصحابنا لرق معي ثم غفوت فاتاني آت في منامي فرفسني وقال يا سفيان خذا أجرك ممن أحببت أن يراك. ابن وهب قال: قال سفيان بن عيينة إنما منزلة الذي يطلب العلم ينتفع به بمنزلة العبد يطلب كل شيء يرضي سيده يطلب التحبب إليه والتقرب إليه والمنزلة عنده لئلا يجد عنده شيئا يكرهه.
عن حرملة بن يحيى قال اخذ سفيان بن عيينة بيدي فأقامني في ناحية فأخرج من كمه رغيف شعير وقال لي: دع يا حرملة ما بقول الناس هذا طعامي منذ ستين سنة. وعن حيان بن صخر بن جويرية قال سمعت سفيان بن عيينة يقول ليس يضر المدح من عرف نفسه.
قال ابن عيينة إذا وافقت السريرة العلانية فذلك العدل وإذا كانت السريرة افضل من العلانية فذلك الفضل وإذا كانت العلانية افضل من السريرة فذلك الجور. قال سفيان بن عيينة: إذا ترك العالم لا أدري أصيبت مقاتله.
كان سفيان بن عيينة بعدما أسن يتمثل بهذا البيت. يعمر واحد فـيغـر قـومـا وينسى من يموت من الصغار قال سفيان بن عيينة لولا أن الله عز وجل طمأن ابن آدم بثلاث ما أطاقة شيء وأنهن لقيه وإنه على ذلك لوثاب الفقر والمرض والموت.
قال ابن عيينة العلم إن لم ينفعك ضرك. وعن أبي موسى الأنصاري قال: قال سفيان إن من توقير الصلاة أن تأتي قبل الإقامة. قال سفيان بن عيينة كان يقال اسلكوا سبل الحق ولا تستوحشوا من قلة أهلها.
قال سفيان بن عيينة كان يقال الأيام ثلاثة: فأمس حكيم مؤدب ترك حكمته وأبقاها عليك واليوم صديق مودع كان عنك طويل الغيبة حتى أتاك ولم تأته وهو عنك سريع الظعن وغدا لا تدري أتكون من أهله أو لا تكون.
قال سفيان بن عيينة لم يجتهد أحد قط اجتهادا ولم يتعبد أحد قط عبادة افضل من ترك ما نهى الله عنه. قال سفيان بن عيينة كان يقال أشد الناس حسرة يوم القيامة ثلاثة رجل كان له عبد فجاء يوم القيامة أفضل عملا منه ورجل له مال فلم يتصدق منه فمات فورثه غيره فتصدق منه ورجل عالم لم ينتفع بعلمه فعلم غيره فانتفع به.
عن عيسى بن أبي موسى الأنصاري قال سمعت سفيان بن عيينة وسئل عن حد الرضا عن الله تعالى فقال الراضي عن الله لا يتمنى سوى المنزلة التي هو فيها.
عن حامد بن عمرو البكراوي قال سمعت عبد الله بن ثعلبة يقول لسفيان بن عيينة يا أبا محمد واحزناه على الحزن فقال سفيان يا عبد الله هل حزنت قط لعلم الله جل وعز فيك? فقال عبد الله: آه تركتني لا افرح.
عن سفيان قال: قال الأحنف: قال لنا عمر بن الخطاب: تفقهوا قبل أن تسودوا قال سفيان لأن الرجل إذا أفقه لم يطلب السؤدد. عن سليمان بن أيوب قال: سمعت ابن عيينة يقول شهدت ثمانين موقفا
قال الفضيل بن عياض لو أن الدنيا كلها بحذافيرها جعلت لي حلالا لكنت أتقذرها. قال الفضيل بن عياض أصلح ما أكون أفقر ما أكون وإني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي.
كانت قراءة الفضيل حزينة شهية بطيئة مترسلة كأنه يخاطب إنسانا وكان إذا مر بآية فيها ذكر الجنة يرددها. وكان يلقى له حصير بالليل في مسجده فيصلي من أول الليل ساعة حتى تغلبه عينه فيلقي نفسه على الحصير فينام قليلا ثم يقوم فإذا غلبه النوم نام ثم يقوم هكذا حتى يصبح.
قال الفضيل إذا لم تقدر على القيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبل كبلتك خطيئتك. وعن منصور بن عمار قال تكلمت يوما في المسجد الحرام فذكرت شيئا من صفة النار ف رأيت الفضيل بن عياض صاح حتى غشى عليه فطرح نفسه.
قال الفضيل بن عياض لو خيرت بين أن أعيش كلبا أو أموت كلبا ولا أرى يوم القيامة لاخترت أن أعيش كلبا أو أموت كلبا ولا أرى يوم القيامة. وعن الحسين بن زياد قال دخلت على فضيل يوما فقال عساك إن رأيت في ذلك المسجد يعني المسجد الحرام رجلا شرا منك إن كنت ترى أن فيه شرا منك فقد ابتليت بعظيم.
قال فضيل بن عياض لرجل لأعلمنك كلمة هي خير من الدنيا وما فيها والله لئن علم الله منك إخراج الآدمين من قلبك حتى لا يكون في قلبك مكان لغيره لم تسأله شيئا إلا أعطاك. قال فضيل بن عياض: لأن أطلب الدنيا بطبل ومزمار أحب إلي من أن أطلبها بالعبادة.
عن إبراهيم بن الأشعث قال سمعت الفضيل بن عياض يقول: ما يؤمنك أن تكون بارزت الله بعمل مقتك عليه فاغلق دونك أبواب المغفرة وأنت تضحك كيف ترى تكون حالك. وعن عبد الصمد بن يزيد قال سمعت الفضيل يقول أدركت أقواما يستحيون من الله في سواد الليل من طول الهجعة إنما هو على الجنب فإذا تحرك قال ليس لك هذا قومي خذي حظك من الآخرة.
عن محمد قال: شهدت الفضيل بن عياض وجلس إليه سفيان بن عيينة فتكلم الفضيل فقال كنتم معشر العلماء سرج البلاد يستضاء بكم فصرتم ظلمة وكنتم نجوما يهتدى بكم فصرتم حيرة، ثم لا يستحي أحدكم أن يأخذ مال هؤلاء الظلمة، ثم يسند ظهره يقول: حدثنا فلان عن فلان. فقال سفيان: لئن كنا لسنا بصالحين فإنا نحبهم.
قال الفضيل لهارون الرشيد يا أمير المؤمنين إن العباس عم المصطفى صلى الله عليه وسلم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أمرني على إمارة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل . فبكى هارون بكاء شديدا
قال الفضيل لهارون الرشيد يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عز وجل عن هذا الخلق يوم القيامة فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة فبكى هارون .
قال هارون الرشيد للفضيل عليك دين قال نعم دين لربي يحاسبني عليه فالويل لي إن سألني والويل لي إن ناقشني والويل لي إن ألهم حجتي قال إنما اعني دين العباد قال إن ربي لم يأمرني بهذا أمر ربي أن أوحده وأطيع أمره فقال عز وجل" وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " فقال له هذه ألف دينار خذها فأنفقها على عيالك وتقو بها على عبادك فقال: سبحان الله أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا? سلمك الله ووفقك.
عن فضيل بن عياض قال بكى ابني علي فقلت يا علي ما يبكيك قال يا أبة أخاف ألا تجمعنا القيامة. وعن بشر بن الحارث قال كان عشرة ينظرون في الحلال النظر الشديد لا يدخل بطونهم إلا حلال ولو استفوا التراب فذكر منهم علي بن الفضيل.
كان علي بن الفضيل يصلي حتى يزحف إلى فراشه ثم يلتفت إلى أبيه فيقول: يا أبة سبقني العابدون. وعن سفيان بن عيينة قال ما رأيت أحدا أخوف من الفضيل وابنه.
قال الشافعي حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وحفظت الموطا وانا ابن عشر سنين. وقال مسلم بن خالد الزنجي للشافعي يا أبا عبد الله أفت الناس آن والله ان تفتي وهو ابن دون عشرين سنة.
عن عبد الله بن احمد بن حنبل قال قلت لابي يا ابة أي رجل كان الشافعي? سمعتك تكثر من الدعاء له فقال يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس فانظر هل لهذين من خلف او عوض؟
عن ابن راهويه قال كنت مع احمد بمكة فقال لي تعال حتى اريك رجلا لم تر عيناك مثله فاراني الشافعي. وعن الشافعي وحضر ميتا فلما سجينا عليه نظر إليه وقال اللهم بغناك عنه وفقره اليك اغفر له. وعن الربيع قال قال الشافعي من طلب الرياسة فرت منه واذا تصدر الحدث فاته علم كثير.
عن الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول ما اوردت الحق والحجة على احد فقبلهما مني الا هبته واعتقدت مودته ولا كابرني على الحق احد ودافع الحجة الا سقط من عيني. وعن احمد بن خالد الخلال قال سمعت محمد بن ادريس الشافعي يقول ما ناظرت احدا فاحببت ان يخطىء.
قال الشافعي اشد الاعمال ثلاثة الجود من قلة والورع في خلوة وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف. وقال لوددت ان الخلق يتعلمون مني ولا ينسب الي منه شيء وسمعته يقول طلب العلم افضل من صلاة النافلة. قال الشافعي طالب العلم يحتاج الى ثلاث احداها حسن ذات اليد والثانية طول عمر والثالثة يكون له ذكاء.
قال الشافعي : يا يونس الانقباض عن الناس مكسبه للعدواة والانبساط اليهم مجلبة لقرناء السوء فكن بين المنقبض والمنبسط. وقال: قبول السعاية شر من السعاية لان السعاية دلالة والقبول اجازة و ليس من دل على شيء كمن اقبل واجاز.
قال الشافعي وتنقص رجل محمد بن الحسن عند الشافعي فقال له مه لقد تلمظت بمضغة طالما لفظها الكرام. وعن الربيع بن سليمان قال قال الشافعي استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر. قال الشافعي من ضحك منه في مسالة لم ينسها ابدا.
قال الشافعي: رضا الناس غاية لا تدرك فعليك بما يصلحك فالزمه فانه لا سبيل الى رضاهم واعلم انه من تعلم القرآن جل في عيون الناس ومن تعلم الحديث قويت حجته ومن تعلم النحو هيب ومن تعلم العربية رق طبعه ومن تعلم الحساب جزل رأيه ومن تعلم الفقه نبل قدره ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه وملاك ذلك كله التقوى.
قال الشافعي من تعلم القرآن عظمت قيمته ومن نظر في الفقه نبل مقداره ومن تعلم اللغة رق طبعه ومن تعلم الحساب جزل رأيه ومن كتب الحديث قويت حجته ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.
عن الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول اللبيب العاقل هو الفطن المتغافل. قال الشافعي لو علمت ان الماء البارد ينقص من مروءتي ما شربته.
سال رجل الشافعي عن سنه قال ليس من المروءة ان يخبر الرجل بسنه لانه ان كان صغيرا استحقروه وان كان كبيرا استهرموه. سال رجل مالكا عن سنة فقال اقبل على شانك.
كان الشافعي قد جزا الليل ثلاثة اجزاء الثلث الاول يكتب والثلث الثاني يصلي والثلث الثالث ينام. وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة لا يحسب منها ما يقرأ في الصلاة قال الربيع كان الشافعي يختم كل شهر ثلاثين ختمة وفي رمضان ستين ختمة سوى ما يقرأ في الصلاة.
قدم الشافعي مرة من اليمن ومعه عشرون الف دينار فضرب خيمته خارجا من مكة فما قام حتى فرقها كلها. وعن المزني قال سمعت الشافعي يقول من نظف ثوبه قل همه ومن طاب ريحه زاد عقله. وعن الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول لن يجفو فعل من يصفو.
قال الربيع بن سليمان سمعت الشافعي يقول وساله رجل عن مسالة فقال روي فيها كذا وكذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال له السائل يا ابا عبد الله تقول به فرأيت الشافعي اعد وانتفض وقال يا هذا أي ارض تقلني واي سماء تظلني اذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فلم اقل به نعم على السمع والبصر.
قال الربيع بن سليمان سمعت الشافعي وقد روى حديثا فقال له بعض من حضر تاخذ بهذا? فقال اذا رويت عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم حديثا صحيحا فلم اخذ به فانا اشهدكم ان عقلي قد ذهب ومد يديه. وعنه قال الشافعي اذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله ودعوا ما قلت.
عن المزني قال دخلت على الشافعي في علته التي مات فيها فقلت كيف اصبحت فقال اصبحت من الدنيا راحلا ولاخواني مفارقا ولكاس المنية شاربا ولسوء اعمالي ملاقيا وعلى الله تعالى واردا فلا ادري روحي تصير الى الجنة فاهنئها او الى النار فاعزيها? ثم بكى .
قال ابو غياث المكي مولى جعفر بن محمد الطبري :اعلم اني كنت اقوم فاصلي الغداة في هذا القميص الخلق ثم انزعه فيصلين فيه واحدة واحدة _وكان له اربع بنات واختان وزوجة وام _ ثم اكتسب الى ما بين الظهر والعصر ثم اعود في آخر النهار بما فتح الله عز وجل لي من اقط وتمر وكسيرات ومن بقول نبذت ثم انزعه فيتداولنه فيصلين فيه المغرب وعشاء الاخرة .
قال ابا جعفر المزين الكبير : محنتنا وبلاؤنا صفاتنا فمتى فنيت حركات صفاتنا اقبلت القلوب منقادة للحق. وقال: ان الله لم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم ولكن بقدر جوده وكرمه ولم يفرح المحزونين بقدر حزنهم ولكن بقدر رافته ورحمته.
قال ابا الحسن المزين الذنب بعد الذنب عقوبة الذنب والحسنة الحسنة ثواب الحسنة. وقال ابو الحسن المزين من استغنى بالله احوج الله الخلق اليه. وقال المعجب بعلمه مستدرج والمستحسن لشيء من افعاله ممكور به.
عن جعفر الخلدي ودعت المزين الصوفي فقلت زودني شيئا فقال ان ضاع منك شيء أو أن أردت يجمع الله بينك وبين إنسان فقل يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه ان الله لا يخلف الميعاد اجمع بيني وبين كذا فان الله يجمع بينك وبين ذلك الشيء او ذلك الانسان فما دعوت بها في شيء الا استجيب.
عابد قال عبد الله بن المبارك كنت بمكة فاصابهم قحط فخرجوا الى المسجد الحرام يستسقون فلم يسقوا والى جانبي اسود منهوك فقال اللهم انهم قد دعوك فلم تجبهم واني اقسم عليك ان تسقينا قال فوالله ما لبثنا ان سقينا فتبعتعه واشتريته وهو مملوك مريض فقال يا مولاى أي شيء تصنع بى وانا مريض فقلت لما رأيت عشية امس قال فاتكأ على الحائط فقال اللهم اذ شهرتني فاقبضني اليك قال فخر ميتا قال فانحشر عليه اهل مكة
عن ابى سعيد الخزاز قال كنت بمكة معي رفيق لي من الورعين فأقمنا ثلاثة أيام لم نأكل شيئا وكان بحذائنا فقير فقلت في نفسي والله لاقولن لهذا نحن الليلة في ضيافتك فقلت له فقال نعم وكرامة فلما جاء وقت العشاء جعلت أراعيه ولم أر معه شيئا فمسح يده على سارية فوقع على يده شيء فناولني فإذا درهمان لا تشبه الدراهم فاشترينا خبزا وادما. فقلت له احب ان تعرفني بم وصلت الى ذلك فان كان يبلغ بعمل حدثتني فقال يا ابا سعيد ما هو الا حرف واحد قلت وما هو قال تخرج قدر الخلق من قلبك تصل الى حاجتك.
عن عبيد الله بن ابي نوح قال قال لنا عابد كان بمكة ما تركت النار للعاقل سرورا في اهل ولا ولد ولبئس المصير مصير مفرط في المهلة ومتكل على الغرة وطول الغفلة. وقال لنا لتكن الاثرة لله في قلوبكم المستولية على جميع اموركم يوشك ان تفوزوا بذلك يوم يخسر المبطلون.
عن أبي المورق قال حدثني من سمع نقيش بنت سالم بمكة وهي تقول يا سيد الانام رحلت بي الشقة وهذا مقام العائد بعفوك من سخطك وبرحمتك من غضبك يا حبيب الاوابين يا من لا يكديه الا عطاء يا ذا المن والالاء زدني بالثقة منك وصلة واجعل قراي عتق رقبتي وأقرر عيني برضاك
قالت نقيش بنت سالم بالموقف: بهظتني الاثام يا سيد الانام كحلت عيني بملمول الحزن فوعزتك لا نعمت بضحك ابدا حتى اعلم اين قراري والى اين تصير داري فلما رات ايدي الناس مبسوطة للدعاء قالت يا رب أقامهم هذا المقام خوف النار يا قرة عيني وعيون الأبرار يلتمسون نائلك ويرجون فضلك. قلما رجعوا وضعت خذها وصرخت انصرف الناس ولم اشعر قلبي منك الياس.
عن مالك بن دينار قال رأيت امرأة بمكة من أحسن الناس عينين قال فكان النساء يجئن فينظرن اليها فاخذت في البكاء فقيل لها تذهب عيناك فقالت ان كنت من اهل الجنة فيبدلني الله عينين احسن من هاتين وان كنت من اهل النار فسيصيبهما اشد من هذا فبكت حتى ذهبت إحدى عينيها رحمها الله
عن ابي عبد الرحمن المغازلي قال كانت حكيمة مجاورة بمكة فدخلنا عليها ذات يوم فقالت لها امرة كانت تخدمها اخوانك جاؤوك يحبون ان يسمعوا كلامك.قال فبكت طويلا ثم اقبلت علينا فقالت اخوتي وقرة عيني مثلوا القيامة نصب ابصار قلوبكم وردوا على انفسكم ما قدم تقدم عن اعمالكم فما ظننتم انه يجوز في ذلك اليوم فارغبوا الى السيد في قبوله وتمام النعمة فيه وما خفتم ان يرد في ذلك اليوم عليكم فخذوا في اصلاحه من اليوم ولا تغفلوا عن انفسكم فترد عليكم حيث لا يوجد البدل ولا يقدر على الفداء
كانت إمرأة بمكة تسبح كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة فأتت فلما بلغت القبر اختلست من ايدي الرجال . وكانت امرأة بمكة يأتيها العباد فيتحدثون عندها ويتواعظون فقالت لهم يوما حجبت قلوبكم الدنيا عن الله عز وجل فلو جليتموهما لجالت في ملكوت السموات ولأتتكم بطرف الفوائد.
عن صالح بن عبد الكريم قال دللت على امرأة بمكة او بالمدينة تتعبد فاتيتها وهي تتكلم قال فاحسنت حتى سكتت قال فصبرت حتى تفرق الناس عنها ثم دنوت منها فقلت لقد تكلمت ولقد خشيت عليك العجب فقالت انما العجب من شيء هو منك فاما ما كان من غيرك ففيم العجب ..
عن عبد الرحمن بن الحكم قال كانت عجوز من قريش بمكة تاوي في سرب ليس لها بيت غيره فقيل لها اترضين بهذا فقالت أوليس هذا لمن يموت كثيرا.