كتاب العزلة للخطابي
حكمــــــة
قال الخطابي:
(الْفُرْقَةُ فُرْقَتَانِ فُرْقَةُ الْآرَاءِ وَالْأَدْيَانِ وَفُرْقَةُ الْأَشْخَاصِ وَالْأَبْدَانِ، وَالْجَمَاعَةُ جَمَاعَتَانِ: جَمَاعَةٌ هِيَ الْأَئِمَّةُ وَالْأُمَرَاءُ وَجَمَاعَةٌ هِيَ الْعَامَّةُ وَالدَّهْمَاءُ. فَأَمَّا الِافْتِرَاقُ فِي الْآرَاءِ وَالْأَدْيَانِ فَإِنَّهُ مَحْظُورٌ فِي الْعُقُولِ مُحَرَّمٌ فِي قَضَايَا الْأُصُولِ لِأَنَّهُ دَاعِيَةُ الضَّلَالِ وَسَبَبُ التَّعْطِيلِ وَالْإِهْمَالِ. وَلَوْ تُرِكَ النَّاسُ مُتَفَرِّقِينَ لَتَفَرَّقَتِ الْآرَاءُ وَالنِّحَلِ وَلَكَثُرَتِ الْأَدْيَانِ وَالْمِلَلِ وَلَمْ تَكُنْ فَائِدَةٌ فِي بِعْثَةِ الرُّسُلِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَابَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ التَّفْرِيقِ فِي كِتَابِهِ وَذَمَّهُ فِي الْآيِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا)
حكمــــــة
قَالَ أَبُو سليمان الخطابي:
(وكان ابن عمر من أشد الصحابة حذرا من الوقوع في الفتن وأكثرهم تحذيرا للناس من الدخول فيها وبقي إلى أيام فتنة ابن الزبير فلم يقاتل معه ولم يدافع عنه إلا أنه كان يشهد الصلاة معه فإذا فاتَتْه صلاها مع الحجاج وكان يقول:
إذا دعونا إلى الله أجبناهم وإذا دعونا إلى الشيطان تركناهم)
حكمــــــة
قال أبو سليمان الخطابي:
(أما ما شجر بين الصحابة من الأمور وحدث في زمانهم من اختلاف الآراء فإنه باب كلما قل التسرع فيه والبحث عنه كان أولى بنا وأسلم لنا،
ومما يجب علينا أن نعتقد في أمرهم أنهم كانوا أئمة علماء قد اجتهدوا في طلب الحق وتحروا وجهته وتوخوا قصده فالمصيب منهم مأجور والمخطئ معذور وقد تعلق كل منهم بحجة وفزع إلى عذر والمقايسة عليهم والمباحثة عنهم اقتحام فيما لا يعنينا)
حكمــــــة
أخبرنا أبو سليمان قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل الفقيه قال: بلغني أن محمد بن الحسن، رحمة الله عليه لما أخذ في تصنيف الجامع الكبير خلا في سرداب وأمر أهله أن يراعوا وقت غدائه ووضوئه فيقدموا إليه حاجته منهما وأن يؤخذ من شعره إذا طال وأن ينظف ثوبه إذا اتسخ وأن لا يوردوا عليه شيئا يشتغل به خاطره وأقام على ماله وكيلا وفوض إليه أمره ثم أقبل على تصنيف الكتاب ولم يشعر إلا برجل ينزل إليه حتى وقف بين يديه فأنكره فقال له: من أنت قال: أنا صاحب الدار. قال: وكيف ذاك قال: لأني قد ابتعت هذه الدار من فلان، يعني وكيله، وكان وكله إياه عن تفويض، فاحتاج إلى الانتقال
حكمــــــة
كان بين عبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان مودة وإخاء فكانت السنة تمر عليهما لا يلتقيان فقيل لأحدهما في ذلك فقال: إذا تقاربت القلوب لم يضر تباعد الأجسام. أو كلمة نحوها " قال: ولقد أبلغ القائل في هذا حين يقول:
رأيت تهاجر الإلفين برا
إذا اصطلحت على الود القلوب
وليس يواظب الإلمام إلا
ظنين في مودته مريب
حكمــــــة
(إِنَّ الْخَلَّةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ تَخَلُّلِ الْمَوَدَّةِ الْقَلْبَ وَتَمَكُّنِهَا مِنْهُ: وَهِيَ أَعْلَى دَرَجِ الْإِخَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ فِي الْأَصْلِ أَجَانِبُ فَإِذَا تَعَارَفُوا ائْتَلَفُوا فَهُمْ أَوِدَّاءُ وَإِذَا تَشَاكَلُوا فَهُمْ أَحِبَّاءُ فَإِذَا تَأَكَّدَتِ الْمَحَبَّةُ صَارَتْ خَلَّةً)
حكمــــــة
إِنَّ الْمُلُوكَ بَلَاءٌ حَيْثُ مَا حَلُّوا
فَلَا يَكُنْ لَكَ فِي أَكْنَافِهِمْ ظِلُّ
مَاذَا تُؤَمِّلُ مِنْ قَوْمٍ إِذَا غَضِبُوا
جَارُوا عَلَيْكَ وَإِنْ رَضِيتَهُمْ مَلُّوا
وَإِنْ نَصَحْتَهُمْ ظَنُّوكَ تَخْدَعُهُمْ
وَاسْتَثْقَلُوكَ كَمَا يُسْتَثْقَلُ الْكَلُّ
فَاسْتَغْنِ بِاللَّهِ عَنْ أَبْوَابِهِمْ كَرَمًا
إِنَّ الْوُقُوفَ عَلَى أَبْوَابِهِمْ ذُلُّ
حكمــــــة
قال الخطابي:
(وَلَوْ صَلَحَتْ مِنَّا الضَّمَائِرُ وَصَفَتِ السَّرَائِرُ لَوَقَعَتِ النَّصِيحَةُ مَوْقِعَهَا وَاللَّهُ يُصْلِحُنَا وَيُصْلِحُ أَئِمَّتَنَا فَإِنَّ فَسَادَهُمْ بِذُنُوبِنَا. قَالَ أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ:
بِذُنُوبِنَا دَامَتْ بَلِيَّتُنَا... وَاللَّهُ يَكْشِفُهَا إِذَا تُبْنَا)
حكمــــــة
قال أبو سليمان حدثنا إبراهيم بن فراس، حدثنا أحمد بن علي بن سهل قال: حدثنا العباس بن الحسين قال أبو معاوية: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، رضي الله عنها أنها كانت تتمثل بهذين البيتين:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
وَبَقِيتُ في جلد كجلد الأجرب
يتحدثون مخانة وملاذة
ويعاب قائلهم وإن لم يشغب "
أخبرنا أبو سليمان قال: قال أبو معاوية: قالت عائشة رضي الله عنها: «ويح لبيد لو أدرك هذا الزمان». قال عروة: وكيف لو عاشت عائشة رضي الله عنها إلى هذا الزمان؟ قال هشام: فكيف لو بقي عروة إلى هذا الزمان؟ وقال أبو معاوية: فكيف لو بقي هشام إلى هذا الزمان؟ وقال العباس بن الحسين نحو ذلك. وقال أحمد بن علي: وقال ابن فراس مثله