كتاب المحنة ذكر محنة الإمام أحمد بن حنبل
حكمــــــة
امتُحِن عبَّاس بن عبدالعظيم، وعلي بن المديني بالبصرة، فأمَّا عبَّاس فأقيم فضُرِب بالسَّوط فأجاب، وأُقْعِد علي فلم يُمتحَن حتَّى ضُرِب عبَّاس وهو يَنظر، فلمَّا رأى ما نزلَ بعبَّاس العنبري وأنَّ عباسًا قد أجاب، أجاب علي عند ذلك، ولم يُنَل بمكروه ولا ضُرِب، وحَذِر لمَّا رأى ما نزل بعبَّاس من الضَّرب. فعَذَرَ الإمام أحمد عبَّاسًا ولم يعذر علي لذلك.
حكمــــــة
قال الإمام أحمد وهو يحكي حاله في الفتنة: جاءني رجلٌ فدنا منِّي وسلَّم عليَّ وكلمني بكلامٍ شدَّد به عزمي، ثُمَّ قال لي: يا أحمد وما عليكَ أن تُقتَل من هاهنا وتدخل الجنة من هاهنا. ثم سلَّم وذهب. فجعلتُ أنظر في أثره، حتَّى غاب، فسألتُ عن أمرِه! فقيل لي: رجلٌ من العرب من ربيعة، مسكنه البادية، متخلٍّ عن الدنيا، يعمل الصوف.
حكمــــــة
ال الإمام أحمد: ما رأيتُ أحدًا على حداثة سِنِّه، وقلَّة عِلمِه، أقومُ بأمرِ الله من محمد بن نوح، وإنِّي لأرجو أن يكون الله قد ختم له بخير، قال لي ذاتَ يوم وأنا معه خِلْوَين: يا أبا عبدالله، اللهَ اللهَ اللهَ، إنك لست مثلي، ولستُ مثلك، إن الله ابتلاني فأجبتُ فلا تقتاس بي، فإنك لستَ مثلي، أنتَ رجلٌ يُقتَدَى بك، وقد مدَّ هذا الخلق أعناقهم إليك، لما يكون منك، فاتقِ الله، واثْبُت لأمرِ الله. فعجبتُ من تقويته لي وموعظته إياي.
حكمــــــة
قال الإمام أحمد: مُضِي بي إلى دار أبي إسحاق المعتصم، والأقيادُ عليَّ، وما معي أحد يُمسكني، فظننتُ أنِّي سأَخِرُّ على وجهي إلى الأرض من ثِقَل القيود، وسلَّم الله حتى انتهيت إلى الدار، فأُدخِلت في بيت وأُغْلِق عليَّ، وليس في البيت سِراج، فقمتُ أصلِّي ولا أعرفُ القِبلة، فصلَّيت، فلمَّا أصبحتُ فإذا أنا على القبلة.
حكمــــــة
قال الإمام أحمد بعدما ناظر المعتزلة في مسألة خلق القرآن بحضرة المعتصم: «يا أمير المؤمنين ليس عندهم تمييز لهذا ولا بيان، فعلى ما يدعوني إليه، لا من كتاب الله ولا سنة، وقد نهى النبي ﷺ عن جدال في القرآن وقال: «مِراءٌ في القرآن كُفر» ولستُ صاحبَ مِراء ولا كلام، وإنَّما أنا صاحب آثار وأخبار، فاللهَ اللهَ في أمري، فارجع إلى الله، فوالله لو رأيتُ أمرًا وصحَّ لي وتبينته لصرتُ إليه»
حكمــــــة
جاء رجلٌ إلى الإمام أحمد وقال: يا أبا عبدالله اجعلني في حِل. فقال: «مِمَّاذا؟» قال: كنتُ حاضرًا يوم ضُرِبتَ، وما أعَنتُ ولا تكلَّمتُ إلا أنِّي حضرتُ ذلك. فأطرق أبو عبدالله ثم رفع رأسه إليه، فقال: «أحدِث لله توبة ولا تعُد إلى مثل ذلك الموقف» فقال له: يا أبا عبدالله: أنا تائب إلى الله من السلطان. فقال أبو عبدالله: «فأنتَ في حِل، وكل من ذكرني إلا مبتدعًا»
حكمــــــة
قال حنبل: دامت العلة بالإمام أحمد وضَعُف ضعفًا شديدًا، وكان يواصل، فمكث ثمانية أيام يواصل، لا يأكل ولا يشرب، فلما كان في اليوم الثامن، قال أبي: دخلتُ عليه في اليوم الثامن، وقد كاد يُطفَأ، فقلتُ له: يا أبا عبدالله، ابن الزبير كان يواصل سبعة أيام، وهذا لك اليوم ثمانية أيام. فقال: «إنِّي مطيق» قلتُ: وقد نهى النبي ﷺ عن الوصال. ثم قلتُ له: بحقِّي عليك. فقال: «إذ تحلف بحقك، فإنِّي أفعل» فأتيته بسويق، فشَرِب.