فوائد من كتاب أنيس الفضلاء من سير أعلام النبلاء لأبي رملة محمد المنصور بن إبراهيم
حكمــــــة
اجتمع في الحجر عبد الله، ومصعب، وعروة – بنو الزبير – وابن عمر، فقال ابن عمر: تمنوا، فقال ابن الزبير: أتمنى الخلافة، وقال عروة: أتمنى أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب: أتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة وسُكينة بنت الحسين. فقال ابن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة. قال أبو الزناد: فنالوا ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غُفر له.
حكمــــــة
عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن، فقرأته كله في ليلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقرأه في شهر ". قلت: يا رسول الله دعني أستمتع من قوتي وشبابي. قال: " اقرأه في عشرين " قلت: دعني أستمتع، قال: " اقرأه في سبع ليال ". قلت: دعني يا رسول الله أستمتع. قال: فأبى. رواه النسائي. قال الذهبي: وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نازله إلى ثلاث ليال، ونهاه أن يقرأه في أقل من ثلاث. وهذا كان في نزل من القرآن، ثم بعد هذا القول نزل ما بقي من القرآن. فأقل مراتب النهي أن تكره تلاوة القرآن كله في أقل من ثلاث، فما فقه ولا تدبر من تلى في أقل من ذلك. ولو تلا ورتل في أسبوع، ولازم ذلك، لكان عملا فاضلا.
حكمــــــة
قال معمر بن راشد الأزدي: كان يقال: إن الرجل يطلب العلم لغير الله، فيأبى عليه العلم حتى يكون لله. قال الذهبي: نعم، يطلبه أولا والحامل حب العلم، وحب إزالة الجهل عنه، وحب الوظائف، ونحو ذلك. ولم يكن عَلِم وجوب الإخلاص فيه، ولا صدق النية، فإذا علم حاسب نفسه، وخاف من وبال قصده، فتجيئه النية الصالحة كلها أو بعضها، وقد يتوب من نيته الفاسدة ويندم. وعلامة ذلك أنه يقصر من الدعاوى وحب المناظرة، ومن قصد التكثر بعلمه، ويزري على نفسه، فإن تكثر بعلمه أو قال: أنا أعلم من فلان، فبُعدا له.
حكمــــــة
الدين النصيحة: قال الذهبي: فتأمل هذه الكلمة الجامعة، وهي قوله: " الدين النصيحة " (وانظر حول هذا الحديث شرح مسلم للنووي). فمن لم ينصح لله وللأئمة وللعامة كان ناقص الدين. وأنت لو دعيت يا ناقص الدين لغضبت. فقل لي متى نصحت لهؤلاء؟ كلا والله، بل ليتك سكت ولا تنطق أو لا تحسن لإمامك الباطل، وتجرّؤه على الظلم وتغشه. فمن أجل ذلك سقطت من عينيه ومن أعين المؤمنين. فبالله قل لي متى يفلح من كان يسره ما يضره؟ ومتى يفلح من لم يراقب مولاه؟ ومتى يفلح من دنا رحيله وانقرض جيله وساء فعله وقيله؟ فما شاء الله كان. وما نرجو صلاح أهل الزمان، لكن لا ندع الدعاء لعل الله يلطف وأن يصلحنا. آمين.
حكمــــــة
لا حسد إلا في اثنتين: عن الفضيل قال: المؤمن يغبط ولا يحسد. الغبطة من الإيمان والحسد من النفاق. قال الذهبي: هذا يفسر لك قوله عليه الصلاة والتسليم: " لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فهو ينفقه في الحق، ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار " صحيح أخرجه البخاري ومسلم. فالحسد هنا معناه: الغبطة: أن تحسد أخاك على ما آتاه الله، لا أنك تحسده بمعنى أنك تود زوال ذلك عنه، فهذا بغي وخبث.
حكمــــــة
كتب عبد الله بن عمر العمري العابد إلى مالك بن أنس يحضه على الانفراد والعبادة، فكتب إليه مالك: أما بعد، فإن الله عز وجل قد قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فُتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد. فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فُتح لي فيه. وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه. وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر.
حكمــــــة
قيل للفضيل: ما الزهد؟ قال: القنوع. قيل: ما الورع؟ قال: اجتناب المحارم. قيل: ما العبادة؟ قال: أداء الفرائض. قيل: ما التواضع؟ قال: أن تخضع للحق. وقال: أشد الورع في اللسان. قال الذهبي: هكذا هو، فقد ترى الرجل ورعا في مأكله وملبسه ومعاملته، وإذا تحدث يدخل عليه الداخل من حديثه، فإما أن يتحرى الصدق، فلا يكمل الصدق، وإما أن يصدق فينمق حديثه ليُمدح على الفصاحة، وإما أن يظهر أحسن ما عنده ليُعظّم، وإما أن يسكت في موضع الكلام ليُثنى عليه. ودواء ذلك كله الانقطاع عن الناس إلا من جماعة.
حكمــــــة
دخل عمر بن حوشب الوالي على سفيان الثوري، فسلم عليه، فأعرض عنه، فقال: يا سفيان ! نحن والله أنفع للناس منك، نحن أصحاب الديات، وأصحاب الحمالات، وأصحاب حوائج الناس والإصلاح بينهم، وأنت رجل نفسك. فأقبل عليه سفيان، فجعل يحادثه، ثم قام. فقال سفيان: لقد ثقل علي حين دخل، ولقد غمني قيامه من عندي حين قام.
حكمــــــة
قال أبو زرعة: أملى علي أحمد بن عاصم الحكيم: الناس ثلاث طبقات: 1.مطبوع غالب: وهم المؤمنون، فإذا غفلوا ذكروا. 2. ومطبوع مغلوب، فإذا بُصروا أبصروا ورجعوا بقوة العقل. 3.ومطبوع مغلوب غير ذي طباع. ولا سبيل إلى رد هذا بالمواعظ. قال الذهبي: فما الظن إذا كان واعظ الناس من هذا الضرب، عبد بطنه وشهوته، وله قلب عري من الحزن والخوف. فإن انضاف إلى ذلك فسق مكين أو انحلال من الدين فقد خاب وخسر، ولا بد من أن يفضحه الله تعالى.