بابُ ما ينفعُ الميّتَ من قَوْل غيره
ذكـــــر
أجمع العلماء على أن الدعاء للأموات ينفعهم ويَصلُهم. واحتجّوا بقول اللّه تعالى: {وَالَّذِينَ جاؤوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ولإِخْوَانِنا الَّذين سَبَقُونا بالإِيمَانِ}[الحشر:10] وغير ذلك من الآيات المشهورة بمعناها، وفي الأحاديث المشهورة كقوله صلى اللّه عليه وسلم: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ " (مسلم ) وكقوله صلى اللّه عليه وسلم: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنَا " وغير ذلك.
واختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرآن، فالمشهور من مذهب الشافعي وجماعة أنه لا يَصل. وذهب أحمدُ بن حنبل وجماعةٌ من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يَصل، والاختيار أن يقولَ القارئُ بعد فراغه: " اللهمّ أوصلْ ثوابَ ما قرأته إلى فلان، واللّه أعلم. ويُستحبّ الثناء على الميت وذكر محاسنه.
وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي اللّه عنه قال مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: " وَجَبَتْ " ثم مرّوا بأخرى فأثنوا عليها شرًّا، فقال: " وَجَبَتْ " فقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: ما وجبت؟ قال: " هَذَا أثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرَاً فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّه في الأرْضِ " . وروينا في صحيح البخاري، عن أبي الأسود قال:قدمتُ المدينةَ فجلستُ إلى عمرَ بن الخطاب رضي اللّه عنه، فمرّتْ بهم جنازة، فأُثني على صاحبها خيرٌ، فقال عمر: وجبتْ، ثم مُرّ بأخرى فأُثني على صاحبها خيرٌ، فقال عمر: وجبتْ، ثم مُرّ بالثالثة فأُثني على صاحبها شرٌّ فقالَ عمرُ: وجبتْ؛ قال أبو الأسود: فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟! قال: قلتُ كما قال النبيّ صلى اللّه عليه وسلم: " أيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ " فقلنا: وثلاثة؟ قال: " وَثَلاَثَةٌ " فقلنا: واثنان، قال: " وَاثْنانِ " ، ثم لم نسأله عن الواحد. والأحاديث بنحو ما ذكرنا كثيرة، واللّه أعلم.