باب الورع وترك الشبهات
باب الورع وترك الشبهات
تطريز رياض الصالحين
قال الله تعالى: {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} [النور (15)].
----------------
الورع: ترك ما لا بأس به حذرا مما به بأس. والشبهات: ما لم يتضح وجه حله ولا حرمته. قال حسان بن أبي سنان: ما رأيت شيئا أهون من الورع: (دع ما يريبك إلى ما يريبك). وهذه الآية نزلت في قصة عائشة حين رماها أهل الإفك، فقال تعالى: {إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} [النور (15)]، أي: تظنون أنه سهل لا إثم فيه، ووزره عظيم. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار بعد ما بين المشرق والمغرب».
باب الورع وترك الشبهات
تطريز رياض الصالحين
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب». متفق عليه، وروياه من طرق بألفاظ متقاربة.
----------------
هذا الحديث: أصل عظيم من أصول الشريعة، وأجمع العلماء على عظم موقعه، وكثرة فوائده. قوله: «فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه»، فيه إشارة إلى المحافظة على أمور الدين ومراعاة المروءة. قال بعض العلماء: المكروه: عقبة بين العبد والحرام، فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام، والمباح: عقبة بينه وبين المكروه فمن استكثر من المباح تطرق إلى المكروه. قوله: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلح الجسد كله»، أي: إذا صلح القلب بالإيمان والعرفان، صلح بالأعمال والأحوال. وما أحسن قول القائل: وإذا حلت العناية قلبا...؟؟... نشطت للعبادة الأعضاء...؟؟؟ فالقلب كالملك، والأعضاء كالرعية، وبصلاح الملك تصلح الرعية، وبفساده تفسد.
باب الورع وترك الشبهات
تطريز رياض الصالحين
عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد تمرة في الطريق، فقال:... «لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها». متفق عليه.
----------------
الحديث ذكره البخاري في باب ما يتنزه من الشبهات. وفي الحديث: أنه ينبغي للإنسان إذا شك في إباحة شيء أن لا يفعله ما لم يفض إلى التنطع وأن الشيء التافه يجوز التقاطه من غير تعريف. ورأى عمر رضي الله عنه رجلا ينادي على عنبة التقطها، فضربه بالدرة وقال: إن من الورع ما يمقت الله عليه. وقال البخاري: باب من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات. وذكر حديث عبد الله بن زيد قال: شكي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل يجد في الصلاة شيئا أيقطع الصلاة؟ قال: «لا حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا». وحديث عائشة رضي الله عنها: أن قوما قالوا: يا رسول الله إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سموا الله عليه وكلوه». قال بعض العلماء: قد أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بجبنة وجبة، فأكل ولبس ولم ينظر لاحتمال مخالطة الخنزير لهم، ولا إلى صوفها من مذبوح أو ميتة. ولو نظر أحد للاحتمال المذكور لم يجد حلالا على وجه الأرض. وقال بعضهم: لا يتصور الحلال بيقين إلا في ماء المطر النازل من المساء الملتقي باليد.
باب الورع وترك الشبهات
تطريز رياض الصالحين
عن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «البر: حسن الخلق، والإثم: ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس». رواه مسلم.
----------------
«حاك» بالحاء المهملة والكاف: أي تردد فيه. قوله: «البر حسن الخلق». أي: التخلق بالأخلاق الحميدة، كطلاقة الوجه، وكف الأذى، وبذل الندى، والرفق، والعدل، والإنصاف، والإحسان، والإثم هو ما أثر في القلب ضيقا ونفورا، وكراهية، وهذا يرجع إليه عند الاشتباه إذا كانت الفتوى بمجرد ظن من غير دليل شرعي.
باب الورع وترك الشبهات
تطريز رياض الصالحين
عن وابصة بن معبد - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:... «جئت تسأل عن البر؟» قلت: نعم، فقال: «استفت قلبك، البر: ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم: ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك». حديث حسن، رواه أحمد والدارمي في مسنديهما.
----------------
وهذا الحديث من جوامع الكلم؛ لأن (البر) كلمة جامعة لجميع أفعال الخير، (والإثم) كلمة جامعة لجميع أفعال الشر.
باب الورع وترك الشبهات
تطريز رياض الصالحين
عن أبي سروعة - بكسر السين المهملة وفتحها - عقبة بن الحارث - رضي الله عنه - أنه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة، فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي قد تزوج بها. فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني، فركب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، فسأله: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف وقد قيل»؟ ففارقها عقبة ونكحت زوجا غيره. رواه البخاري.
----------------
«إهاب» بكسر الهمزة و «عزيز» بفتح العين وبزاي مكررة. في هذا الحديث: الحض على ترك الشبه والأخذ بالأحوط في الأمور.
باب الورع وترك الشبهات
تطريز رياض الصالحين
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوما بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة، إلا أني خدعته، فلقيني، فأعطاني بذلك هذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه. رواه البخاري.
----------------
«الخراج»: شيء يجعله السيد على عبده يؤديه إلى السيد كل يوم، وباقي كسبه يكون للعبد. الكهانة بكسر الكاف: مصدر تكهن، وبالفتح: مصدر كهن، أي قضى له بالغيب. وفي «الورع» لأحمد عن ابن سيرين: (لم أعلم أحدا استقاء من طعام غير أبي بكر، فإنه أتي بطعام فأكل منه، ثم قيل له: جاء به ابن النعيمان، قال: وأطعمتموني كهانة ابن النعيمان، ثم استقاء). قال الحافظ: إنما قاء أبو بكر لما ثبت عنده من النهي عن حلوان الكاهن.
باب الورع وترك الشبهات
تطريز رياض الصالحين
عن نافع أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة الآف وفرض لابنه ثلاثة آلاف وخمسمئة، فقيل له: هو من المهاجرين فلم نقصته؟ فقال: إنما هاجر به أبواه. يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه. رواه البخاري.
----------------
هذا الحديث: دليل على شدة وروع عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
باب الورع وترك الشبهات
تطريز رياض الصالحين/ضعفه الالبانى فى تحقيقه لرياض الصالحين
عن عطية بن عروة السعدي الصحابي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به، حذرا لما به بأس». رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن).ضعفه الالبانى فى تحقيقه لرياض الصالحين
----------------
أي: لا يصل إلى درجة الموصوفين بكمال التقوى حتى يترك ما لا شبهة فيه خشية وقوعه في المكروه والحرام.