باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير
باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير
تطريز رياض الصالحين
قال الله تعالى: {فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} [الزمر (17، 18)].
----------------
التبشير: الإخبار بما يسر، {يستمعون القول}، أي: القرآن،... {فيتبعون أحسنه}، أي: يعملون بما فيه. وقال السدي: أحسن ما يؤمرون به. وقيل: أحسن الأمور الخير فيها، كالعفو عن الظالم والعفو عن نصف الصداق، والعفو عن المعسر.
باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير
تطريز رياض الصالحين
عن أبي إبراهيم، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو معاوية عبد الله ابن أبي أوفى رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشر خديجة رضي الله عنها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه، ولا نصب.
----------------
«القصب»: هنا اللؤلؤ المجوف. و «الصخب»: الصياح واللغط. و «النصب»: التعب. في هذا الحديث: فضل خديجة رضي الله عنها. وفيه: أن الجنة لا تعب فيها؛ لأنها منزل تشريف وإجلال لا دار تكليف وأعمال.
باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير
تطريز رياض الصالحين
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه توضأ في بيته، ثم خرج، فقال: لألزمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأكونن معه يومي هذا، فجاء المسجد، فسأل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: وجه ها هنا، قال: فخرجت على أثره أسأل عنه، حتى دخل بئر أريس، فجلست عند الباب حتى قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجته وتوضأ، فقمت إليه، فإذا هو قد جلس على بئر أريس وتوسط قفها، وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر، فسلمت عليه ثم انصرفت، فجلست عند الباب، فقلت: لأكونن بواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليوم، فجاء أبو بكر - رضي الله عنه - فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقلت: على رسلك، ثم ذهبت، فقلت: يا رسول الله، هذا أبو بكر يستأذن، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة» فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبشرك بالجنة، فدخل أبو بكر حتى جلس عن يمين... النبي - صلى الله عليه وسلم - معه في القف، ودلى رجليه في البئر كما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكشف عن ساقيه، ثم رجعت وجلست، وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت: إن يرد الله بفلان - يريد أخاه - خيرا يأت به. فإذا إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب، فقلت: على رسلك، ثم جئت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلمت عليه وقلت: هذا عمر يستأذن؟ فقال: «ائذن له وبشره بالجنة» فجئت عمر، فقلت: أذن ويبشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، فدخل فجلس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القف عن يساره ودلى رجليه في البئر، ثم رجعت فجلست، فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا - يعني أخاه - يأت به، فجاء إنسان فحرك الباب. فقلت: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفان. فقلت: على رسلك، وجئت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة مع بلوى تصيبه» فجئت، فقلت: ادخل ويبشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة مع بلوى تصيبك، فدخل فوجد القف قد ملئ، فجلس وجاههم من الشق الآخر. قال سعيد بن المسيب: فأولتها قبورهم.
----------------
قوله: «وجه» بفتح الواو وتشديد الجيم. أي: توجه. وقوله: «بئر أريس» هو بفتح الهمزة وكسر الراء وبعدها ياء مثناة من تحت ساكنة ثم سين مهملة وهو مصروف ومنهم من منع صرفه، و «القف» بضم القاف وتشديد الفاء: وهو المبني حول البئر. قوله: «على رسلك» بكسر الراء على المشهور، وقيل: بفتحها، أي: ارفق. في هذا الحديث: حسن ثمرة لزوم الأدب. وفيه: حسن الأدب في الاستئذان. وفيه: الصبر على توقيع المصيبة وحمد الله تعالى على السراء والضراء وفيه: التبشير بالخير.
باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير
تطريز رياض الصالحين
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا قعودا حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في نفر، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين أظهرنا فأبطأ علينا، وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا، فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النجار، فدرت به هل أجد له بابا؟ فلم أجد! فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجه - والربيع: الجدول الصغير - فاحتفزت، فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أبو هريرة؟» فقلت: نعم، يا رسول الله، قال: «ما شأنك؟» قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط، فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي. فقال: «يا أبا هريرة» وأعطاني نعليه، فقال: «اذهب بنعلي هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه، فبشره بالجنة... »
----------------
«الربيع»: النهر الصغير، وهو الجدول - بفتح الجيم - كما فسره في الحديث. وقوله: «احتفزت» روي بالراء وبالزاي، ومعناه بالزاي: تضاممت وتصاغرت حتى أمكنني الدخول. في هذا الحديث: بشارة عظيمة لأهل التوحيد. وأن من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله خالصا من قلبه فله الجنة.
باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير
تطريز رياض الصالحين
عن ابن شماسة، قال: حضرنا عمرو بن العاص - رضي الله عنه - وهو في سياقة الموت، فبكى طويلا، وحول وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه، يقول: يا أبتاه، أما بشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا؟ أما بشرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا؟ فأقبل بوجهه، فقال: إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، إني قد كنت على أطباق ثلاث: لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني، ولا أحب إلي من أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه فقبضت يدي، فقال: «ما لك يا عمرو؟» قلت: أردت أن أشترط، قال: «تشترط ماذا؟» قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟» وما كان أحد أحب إلي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه؛ إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة. ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها؟ فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني، فشنوا علي التراب شنا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور، ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم، وأنظر ما أراجع به رسل ربي.
----------------
قوله: «شنوا» روي بالشين المعجمة والمهملة، أي: صبوه قليلا قليلا، والله سبحانه أعلم. في هذا الحديث: أن المؤمن لا تفارقه خشية الله ولو عمل من الصالحات ما عمل، كما قال تعالى {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} [المؤمنون (60)]. وفيه: إثبات فتنة القبر، وسؤال الملكين، واستحباب المكث بعد القبر، والدعاء له. وفيه: كراهة استصحاب النار للميت إلا أن تدعو إليها حاجة.