وكل الدول التي تجعل المال مثبّتاً لاجتماع الناس تسقط أو تضطرب إذا افتقرت، وهكذا كل الدول المادية اليوم، فتسلب غيرها لتدوم.

للمحتاج أن يسأل حاجته مالا أو متاعا ممن له حق عليه ولو علت منزلته، فقد قال رجلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم (يا محمد أعطني فإنك لا تعطي من مالك ولا من مال أبيك).

العقيدة إذا غرست اجتمع الناس وثبتوا ولو على الفقر، والمال تثبيته مرهون بتوفره، ويدعو إلى الشر فإعطاء العشرة يدعوا إلى المطالبة بالعشرين.

يخطئ كثير من الحكام بجعل المال مثبتا لولاء الناس، وهو وسيلة لفتح القلوب وتليينها لتقبل العقائد وسُمّي مالاً لميل القلوب إلى معطيه.

قلوب الناس تُستمال بالمال لكن لاتستقر وتأتلف إلا بالاجتماع على العقيدة {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} الأنفال 63.

جمع قلوب الناس على غير العقيدة الواحدة كالإغداق بالمال، تأليف مؤقت يزول عند اى عارض قال تعالى: {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} الأنفال 63.

المال لا يجمع الشعوب على الحكام، وإنما يُسكنها فإذا جاعت ثارت، وإن اجتمعت على الإسلام لم يفرقها إلا الكفر، لا تتأثر بفقرٍ ولا جوع.

المال لا يؤلِّف الشعوب للحكام ولكن يُخدرها ويسكنها فإن افتقروا ثاروا {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} الأنفال 63.

من يمنح المال تأليفا لقلبه فهذا يعطى ما يحصل به كف شره أو زيادة صلاحه ولو زاد المال، أما منح المسؤول لينتفع بذاته فمنحه فوق حاجته حرام.

من تولى أمرا فليس له أن يأخذ المال إلا لزوجة ومسكن وخادم ومركب وغيره غلول لحديث: من كان لنا عاملا فليكتسب زوجة وخادما ومسكنا وغير ذلك غلول.

للعاطلين حق مالي يجب أن يُعطوه {... فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} المعارج 24، 25. قالت عائشة: (المحروم الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه) ومعلوم: مؤقّت كالمرتب.

من حق العاطل الذي لا يجد عملاً في الإسلام إعانته {... فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} المعارج 24، أي من حُرِم العمل. وهو واجب دائم لقوله {حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} المعارج 24، 25.

صح في الحديث (من كان لنا عاملا فليكتسب زوجة فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادما فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنا ومن اتخذ غيره فهو غال أو سارق)

المسؤول إذا مُنح أكثر من نفقة سكنه وأهله وخادمه ومركبه فهو سحت ففي الحديث (من اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق) والمال المسروق لا يباع ولا يورث.

المال المكتسب من الولاية ينبغي أن يرجع إلى بيت المال صح عن أبي بكر في مرضه: انظروا ماذا في مالي منذ دخلت الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة بعدي.

لا يجوز لمن عمل بوظيفة أو ولاية أن يتخذ عمله وسيلة للاستزادة من المال ففي الحديث: (من استعملناه على عمل فرزقناه، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول).

{ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ } آل عمران 49، لو كان كشف مدخرات الناس محرما ما جاز لعيسى كشفها، وهذا حل لدرء فساد المال العام فالحلال لايُستحى منه.

تعطيل المال وإتلافه أولى من انتفاع ظالم به. {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} الكهف 79.

المال الحرام المورّث: ١- إذا كان مُغتصباً وعرف صاحبه كالمسروق من شخص وبيت المال فلا يورّث ولا ينتفع به. ٢- المال الحرام بالتراضي كالربا فيُورث.

البيع والشراء مباح وأصل الحلال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشتري، ولا تجد في الحديث ما يثبت أنه باع شيئا في نبوته فيما أعلم... لحكم عظيمة كثيرة.

كثير من الناس لو انشغلت قلوبهم وأبدانهم بالله كما تنشغل بكسب المال على السواء لكانوا عبادا أولياء ففي الحديث: تعس عبد الدينار.

الدين أُنزل من السماء والمال أُخرج من الأرض، والمال للدين كالإناء للماء يحويه ويحميه ويسقيه.

الدين والمال حق لله لا يخاض فيهما قال: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ} الأنعام 68، وفي الحديث: (إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار).

المال سُمّي مالاً لأنه إما مال عنك أو ملت عنه.. فلابد أن يترك أحدكما الآخر.

حصار الأموال وسيلة المنافقين لتفريق الحق {يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْد رَسُول اللَّه حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} المنافقون 7.

سرق الرعاة إبلَ الصدقة زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهناك من غل ودعم المنافقون اليهودَ بالمال سراً، ولم يُضيّق الصدقة لأن تضييقها شؤم عام.

النفقة التي يتحرى فيها اﻹنسان ثم تقع في يد أخرى لا يريدها فأجره بلغ تاما، ففي الصحيح أن رجلا أُجر على نفقة وقعت في يد غني وسارق وزانية.

لا ينزع الله نعمة الشاكر وأعظم الشكر الإنفاق، ومن أعظم الأعمال الإطعام في أيام المجاعة {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} البلد 14، أي جوع شديد.

قال تعالى: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} البقرة 195، من أسباب العقوبة والإهلاك الإلهي للمجتمعات ترك الإنفاق عند قيام حاجته.

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا علم بالملهوفين احمر وجهه وحث على الصدقة وقد صح أن قوما جاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم حفاة عراة فتغير وجه ودخل وخرج وصعد المنبر ثم حث على الصدقة.

الصدقة تُعين المظلوم على الظالم وتدفع بأسه وتُقلل أثر ظلمه: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ۗ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} البقرة 270.

يُدفع ظلم الظالم بالصدقة، صح عن النخعي قال: (كانوا يرون أن الرجل المظلوم إذا تصدق بشيء دُفع عنه). وهذا سبب يُغفل عنه وقد دل عليه القرآن.

الصدقة مع طيب نفس علامة إيمان والصدقة مع تثاقل نفس علامة نفاق قال الله عن المنافقين { وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ } التوبة 54.

أعظم الناس بركة في ماله أكثرهم صدقة، ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال) وفي الحديث القدسي: (يا ابن آدم أنفق، أنفق عليك).

الصدقة من أفضل الأعمال وأزكاها، ويتمنى المؤمن الميّت أن لو عاد إلى دنياه ليتصدق {رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} المنافقون 10.

إعطاء العمال والخدم زكاة الفطر على حالين: أولاً: إذا كان ضمن العقد معهم التكفل بطعامهم فلا يجوز دفعها لهم. ثانيا ً: إذا كان طعامهم عليهم في العقد جاز إعطاؤهم.

الأولى أن تُخرج زكاة الفطر في بلد المزكي وإذا وُجد بلد أحوج جاز نقلها، وإذا تعذر إرسال الطعام جاز تحويلها نقداً للمصلحة الظاهرة.

لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابي إخراج زكاة الفطر مالاً، وإنما جاء عن جماعة من التابعين فيجوز إخراجها مالاً للمصلحة كإرسالها لبلد بعيد فقير.

السنة أن تخرج زكاة الفطر طعاما وليس قيمة باتفاق العلماء وإنما اختلفوا في إجزاء القيمة فرخص بها جماعة من فقهاء السلف والاحتياط أن تخرج طعاما.

يجب إخراج زكاة الفطر مقدار صاع ويجوز إخراج نوعين من الطعام في صاع عن فرد بشرط أن يكون مقدار النوعين يمكن انتفاع الفقير به مجتمعين أو منفردين.

في زكاة الفطر تتغير أقوات الناس بحسب الزمان، فلا تصح من الشعير والتمر اليوم وإن جاءت في الحديث، لأن الشعير لا يؤكل والتمر صار فاكهة لا قوتا.

تُخرج زكاة الفطر من قوت البلد مما يتناولونه عادة كالأرز والدقيق بحسب البلدان ولا يُخرج في بلد طعامًا لايَتَقَوَّتُونَه وإنْ تَقَوَّتَه غيرهم.

يجوز تعجيل زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين، فعله الصحابة وكان ابن عمر يبعثها قبل ثلاث، وتأخيرها بعد صلاة العيد باطل كتأخير صلاة الفجر إلى طلوع الشمس إلا لعذر كالنسيان.

(الزكاة) أفضل وقتها بين صلاة الفجر وصلاة و العيد.

الأفضل أن يخرج أهل البيت الواحد كل واحد منهم الزكاة عن نفسه من ماله إذا كان له مال يعول به نفسه كالأبناء الموظفين وإن دفع والدهم عنهم أجزأ، واستحب بعض السلف اخراجها عن العمال.

زكاة الفطر واجبة عند أكثر العلماء، عن الصغير والكبير، يدفعها الولي حتى عن زوجته، وتُستحب عن الجنين، وأفضل وقتها بين صلاة الفجر وصلاة العيد.

يجوز دفع الزكاة للعاجز عن حج الفريضة ليحج عن نفسه قال به ابن عباس ودفع الزكاة في سبيل الله (الجهاد) أفضل من دفعه للحاج بالاتفاق.

ذهب المرأة المستعمل (الحلي) لا تجب فيه زكاة ولو كثيراً إذا كان يُلبس ولو في المناسبات أو يعار على الصحيح وهو قول أكثر الصحابة وجمهور العلماء.

لا تجب الزكاة إلا بتمام الحول، ويُستحب تعجيلها في الأزمنة والأحوال الفاضلة كرمضان وشعبان والأشهر الحرم، وعند حاجة المسلمين كنازلة جهادٍ وفقر.